ثقافة جمل التلفزة التونسية لا يرى حدبته ...
"جمل التلفزة التونسية لا يرى حدبته" ذاك ما استخلصناه من التصريحات التي أدلى بها مطلع هذا الأسبوع على موجات إذاعة الشباب كل من مخرج ومدير تصوير مسلسل "وردة و كتاب" الذي يبث على الوطنية الأولى وقبلهما حول نفس الموضوع في إذاعة الموزاييك المدير العام بالنيابة لمؤسسة التلفزة التونسية السيد رشاد يونس حيث قدم جميعهم تبريرات و تفسيرات للإنتقادات الكثيرة التي وجهت للمسلسل معتبرين الأمر لا يعدو كونه حملة موجهة ضد المرفق العمومي لفائدة القطاع الخاص وطالب المدير العام بالتريث للحكم على "وردة وكتاب" بإعادة مشاهدته بعد رمضان دون ضغط حملة الشيطنة اللتي طالته في حين أسند مدير التصوير عدد 80 من مائة كتقييم إستحسان للعمل اللذي أنتجته التلفزة الوطنية ،وختم المخرج السيد أحمد رجب مجيبا على سؤال المنشطة عبير بوليلة حول مدى إقتناعه بإختياره و قيمة العمل و صدى ذلك لدى المشاهد بأن قناعته الشخصية وإستحسانه هو الأهم لديه .
إحتراما لمجهود الفريق الفني و التقني من التلفزة الوطنية والممثلين اللذين عملوا طيلة أشهر عديدة لإنجاز هذا الطبق الرمضاني لن نعلق على الجانب الفني للعمل وتقييمه خاصة و أن الكثيرين تناولوا هذا الجانب وأطنبوا في ذلك .. ولكن معرفتنا بكواليس المؤسسة و بحثنا لدى عديد المصادر داخل التلفزة التونسية و خارجها يدفعنا لدحض عديد المغالطات التي تم التصريح بها وكشف حقائق ذكر القليل منها في البرنامجين الإذاعيين رمضان شو و نجوم في القائلة و أخفي الكثير منها.
ننطلق بميزانية المسلسل التي تمسك مديرها العام بقيمة مليارين و نصف تقريبا مغفلا إحتساب قيمة المعدات والتجهيزات والعمليات التقنية لمدة خمسة أشهر (حافلة تلفزية ثلاث كاميرات ، تركيب ، ميكساج..) بالإضافة لعدم إحتسابه لرواتب الفريق العامل (70 تقريبا) بما أن جلهم موظفين بالتلفزة التونسية وتراوحت مدة عملهم في المسلسل بين خمسة أشهر لمعظمهم في حين إشتغل قلة منهم مدة وصلت عشرة أشهر بإعتبار مرحلة التحضيرات و ما قبل و بعد التصوير لتبلغ بذلك ميزانية العمل ثلاثة مليارات على أقل تقدير وهي قيمة لا تبعد كثيرا على ميزانية ناعورة الهواء 2 (الذي يشمل كل المصاريف المذكورة آنفا بالإضافة لهامش ربح الجهة المنفذة ) و لكنه أنجز على خلاف واقع الحال بتقنيات و تجهيزات عالية الدقة و بنتيجة أفضل من ناحية قبول المشاهدين و أيضا لحصوله على جوائز ..،
و على ذكر المعدات و التجهيزات تعلل مدير تصوير "وردة و كتاب" بأنهم إضطرو لإستعمال معدات قديمة بسبب تأخر وصول تجهيزات حديثة إقتنتها التلفزة التونسية في حين أن التجهيزات الجديدة المذكورة لا علاقة لها بإنتاج المسلسل بما أنها معدات ثقيلة متنقلة و قارة (حافلات و إستوديو) لم تدخل بعد فترة الإختبار و القبول النهائي بما أن التسليم لم يقع بعد و لم يكن من الوارد البتة إستعمالها للمسلسل .
من جهة أخرى يجدر التذكير بأن حافلة الفيديو و الكاميرات التي إستعملت لتصوير المسلسل هي نفسها التي صور بها في السابق مسلسل صيد الريم من إخراج علي منصور سنة 2008 ورغم المصاعب الإنتاجية و كذلك التقنية (جودةالصورة) التي حصلت آنذاك تمكنت الجهة المنفذة للإنتاج من مجابهتها بتوفير فريق ثان للتصوير و إصلاح ألوان الصورة و فاز المسلسل بعديد الجوائز و نافس سنة عرضه في على قناة 21 مسلسل مكتوب من إخراج سامي الفهري والذي عرض على قناة تونس 7 ورسخ في ذاكرة المشاهدين كأحد أحسن المسلسلات الإجتماعية...
من جملة التعلات الأخرى التي ذكرت أيضا على موجات إذاعة الشباب على لسان مدير التصوير هي عدم كفاية الوقت و إضطرارهم إختصار زمن التصوير و حذف أسبوعين تقريبا بالإضافة للإختصار السيناريو وحذف بعض محاوره و تفاجئهم أثناء التصوير بإمكانية زيادة عدد الحلقات و وصولها لـ(35)وهو أمر يعجب له و يطرح عديد التساؤلات حول عملية التحضير للمسلسل إنتاجا و إخراجا إذا علمنا أن قرار إختيار المسلسل و فريقه و بداية التحضيرات كانت منذ سنة تقريبا و قيل آنذاك بأن التلفزة التونسية ستقطع مع عادة الإنجاز المتأخر و تعلة ضيق الوقت وإستبشر الكثيرون باسلوب عمل جديد يخالف ما تعودو عليه و الحقيقة وراء هذا الأمر المتعدد الجوانب أن الإختصار والحذف وقع بالفعل لبعض المحاور مثل مظاهرة 14 جانفي بشارع الحبيب بورقيبة و بعض الأحداث المرتبطة بها بسبب صعوبة التنفيذ في ظل الوضع الأمني السائد بالبلاد .. وكانت هذه المشاهد بالذات من أقوى وأهم ماكتب في السيناريو ..الحذف و التغيير وقع أيضا بسبب مشاكل فنية تخص السيناريو و الرؤية الإخراجية نفسها في علاقة ببعض الممثلين والكاستينغ و توزيع الأدوار (دور كل من رؤوف بن عمر و خالد هويسة حيث تمسك بهما المخرج رغم ملاحظة البعض داخل فريق الإخراج لهذه النقطة و مطالبته بتبادل الأدوار بين الممثلين ) وهو ما يفسر ردود فعل بعض الممثلين و الممثلات الذين إشتكو صراحة عبر وسائل الإعلام من تفاجئهم بالشكل الأخير الذي ظهر به المسلسل و بالنتيجة المخيبة لإنتظارات بعضهم والكواليس لم تخف عديد الإشكاليات و الحساسيات في ظل غياب يد حازمة تمسك و تضبط الأمور الداخلية .
و تبقى نقطة أخيرة لها من الأهمية ما يكفى ليكون لها تأثيرها الكافي على جودة العمل وهي أن 40 بالمائة من الفريق العامل و خاصة منه الطاقم الفني (فريق الإخراج) يعمل لأول مرة على مسلسل من هذا الحجم فأحمد رجب يخرج أول مسلسل له بعد إخراج مشترك لسيتكوم دار الخلاعة ومسيرة مهنية طويلة كمساعد مخرج و مدير التصوير يعمل كذلك لأول مرة على مسلسل في إدارة التصوير و نفس الأمر للقيافة و التجميل و السكريبت و مساعدي الإخراج ..
عالم السينما والتلفزيون يحفل بعديد الأمثلة التي تؤكد أن أحسن مساعد مخرج لا يصبح حتما مخرجا ناجحا و أحسن مصور لا يصبح حتما مدير تصوير دراما متميز و المخرج الناجح في نقل مباريات كرة القدم أو مصمم و مساعد الديكور في المنوعات أو أستاذ معهد السينما المدرس للمهن التلفزية لا يضمن نجاحه في إنجاز و تنفيذ الدراما التلفزية أو السينمائية لهذا الأمر بالذات نلاحظ أن المخرجين و شركات الإنتاج يحافظون لسنوات على نفس الفريق العامل معهم و لا يغيرونه إلا للضرورة القصوى وإن حصل ذلك فبصفة تدريجية ولكن الأمر يختلف داخل مؤسسة التلفزة التونسية التي تشهد سنويا و بمناسبة الإنتاج الرمضاني صراعات داخلية للمشاركة فيها جريا وراء الحافز المادي و الطموح المهني وهو أمر قديم ليس بجديد و لكنه تفاقم بعد 2011 حيث كثرت الإحتجاجات من عديد الأعوان و طالبوا بالتداول في تنفيذ الأعمال الدرامية و الأعمال الكبرى وساندهم في ذلك الجانب النقابي اللذي تزعم أيضا حملة لإقصاء القطاع الخاص في إسناد و تنفيذ الأعمال و حصرها في أولاد الدار و تمكن من إبرام إتفاق إداري نقابي لتنفيذ مسلسل رمضان 2016 في 30 حلقة ينتج حصريا داخل المؤسسة وهو ما أوقع إدارة التلفزة الوطنية في إشكال بسبب عدم توفر سيناريوهات كثيرة جاهزة حسب الإتفاق إلا من إثنين فقط و تم الإختيار أولا على سيناريو متميز "صلاة الغائب" ولكن مخرجه إشترط توفير الميزانية اللازمة و الإمكانيات التي تضمن نجاح المسلسل خاصة و أن أحداثه تدور في حقبات زمنية مختلفة من القرن العشرين ولم يبقى أمام الإدارة سوى تنفيذ السيناريو الثاني " وردة وكتاب" إضطرارا و ليس إختيارا ..
إختيار المخرج ثم الفريق العامل كان في أوج الصراع بين المدير العام السابق مصطفى اللطيف و النقابة و شهدت المؤسسة حينها إهتزازات وإضرابات جوع وصراعات داخلية قطاعية و حتى نقابية و تغييرات مسؤولين متتالية كان من بين نتائج هذه المرحلة إقالة المدير السابق لإدارة الإنتاج المشرفة على تنفيذ الإنتاجات الكبرى و الدراما وهو نقابي سابق و رغم المحاولات التي تمت لتغيير بعض أفراد الفريق العامل بسبب قلة خبرة البعض و أسباب أخرى.. فإن المخرج الذي وقعت تزكيته ودعمه لإخراج العمل أحمد بالرجب تمسك بكامل الفريق و راسل الإدارة في ذلك متحملا صراحة مسؤوليته في إختياره معلنا ضمانه لنجاح المسلسل بعدم تغيير أي عنصر من الفريق ليؤول الأمر بعد ذلك بزمن قليل لإقالة المدير العام نفسه إثر حادثة الراعي الشهيد.
قرارات مسقطة وتوجهات مفروضة متضاربة واختيارات فاشلة وسوء تقدير ،محاباة و محسوبية و صراعات داخلية محمومة و تسيير بعيد كل البعد عن التصرف الحسن والحوكمة الرشيدة ذاك حال التلفزة التونسية التي يصر أبنائها ومسؤوليها على مغالطة أنفسهم قبل مشاهديهم بحجب حقيقة واقعهم الذي زاد سوءا بتغير المشهد السمعي البصري بعد 2011واشتداد المنافسة مع قطاع خاص لن يرأف بحالهم ويرفض أهدافا يسجلها القطاع العام في مرماه..
سنــاء المــاجري